نحن والاخر:حوار أم صًدام؟
ورغم ان تاريخ العلاقة بين المسلمين وغيرهم من الاقليات والحضارات الاخرى كان مليئا بصور التعايش والتعاور والاستيعاب ، تجسيداً لمفهوم الاسلام الانساني والعالمي كدين خاتم للعالمين كلهم ، الا ان هواجس الصدام بين الطرفين كانت تتصاعد باستمرار ، ما أضفى على هذه العلاقة نوعاً من التوتر والخوف ، ولم تكن الحروب الصليبية التي بدأت في القرن الحادي عشر الميلادي واستمرت حتى القرن الثالث عشر الشاهد الوحيد على حالة الصدام والافتراق ، فقد تلاها حقب من الاستعمار واشهار العداء والحروب ، وكان الغرب فيها - دائماَ - هو المهاجم والمبادر والمعتدي ، الأمر الذي ساهم في اذكاء حدة مشاعر الكراهية لدى الانسان المسلم تجاه الغرب وممارساته ، وانعكس سلباً على علاقة الجاليات المسلمة مع مجتمعاتها الغربية.
اسئلة الصدام ظلت حاضرة ومحتشدة في التاريخ وفي الواقع ايضا ، ورغم ان ثمة حوارات قد بدأت ، ودعوات للتفاهم قد انطلقت ، الا ان الصورة النمطية لكل طرف لدى الاخر ما تزال قائمة ، ولم يكن بوسع عالمنا الاسلامي - الضعيف والمستهدف - ان يفعل الكثير لتغيير هذا الواقع مقارنة بما يمتلك الغرب من مقدرات هائلة لتكريسه ومواصلة «استفزاز» المسلمين ، تارة باسم الدفاع عن الهوية الغربية وتارة اخرى باسم البحث عن المصالح عبر الحروب وادامة الصراعات.
يمكن للمتابع ان يسجل العديد من الاسئلة حول هواجس الصدام وجدوى الحوار بين الغرب والمسلمين ، من ابرزها: هل ثمة فرق بين رؤية الغرب للاسلام وتعامله مع المسلمين ، هل هنالك سوء فهم للاسلام لدى الانسان الغربي أم ان هنالك ارادة عدم فهم لدى مراكز القرار والسلطة ، ثم كيف ينظر المسلمون الى الغرب ، وما هو موقفهم من ثقافته ، وهل صحيح ان المسلمين لا يمتلكون في ثقافتهم وفكرهم رؤية للعالم ، لا بالمعنى النظري ولا الاستراتيجي ولا السياسي ، وبالتالي وقعوا في «مصيدة» الضجية المستهدفة من الجميع. ومن الاسئلة: لماذا يرى الغرب صورة الاسلام في نسخته العربية فقط ، وهي صورة - كما يقول ادوارد سعيد - متطابقة تماماً مع الخريطة النفطية واسلام الشرق الاوسط واسرائيل وما هي الاسباب الحقيقية التي ولّدت ظاهرة الخوف لدى الطرفين ، هل تتعلق بالتاريخ وما جرى على ضفافه من صراعات ، ام بالجهل ، ام بتضارب المصالح ، أم بالتمثيل الرديء للاسلام من قبل المسلمين ، او «بالغزو» الثقافي والعسكري الذي ظل - وما يزال ، يراود الغرب تجاه بلاد المسلمين.
وفي الاطار الاكبر ثمة سؤال ايضا حول الحضارات ، هل تتصارع أم تتكامل ، وهل غياب التفاهم مشكلة الحضارة نفسها أم مشكلة «اصحابها».. أم مشكلة الانسان كانسان ، وهل للثقافة والدين دور في ذلك أم انها «لعبة» السياسة ، حتى لو برزت من داخل واجهات الدفاع عن الثقافة والدين والخصوبة.. ما بين هواجس الصدام ، الناعم والخشن ، وجدوى الحوار ، الحقيقي والمتخيل ، يبدو أن عالمنا الاسلامي في علاقته مع الغرب ما زال حائراً في حسم الاجابات او الخيارات او تحديد المواقف ، وعليه فان المدخل الاساسي لفهم هذه العلاقة واعادة النظر فيها تحتاج الى عملية واعية من النقد الذاتي ونقد الاخر ايضا ، فهم الذات وفهم الغير ، استدراك جراحات الماضي والتفكير في الحاضر والمستقبل ، محاصرة السياسة ومصالحها الانية بحوارات جادة بين أهل الدين والثقافة على الطرفين.. وقبل ذلك كله اخراج الامة الضعيفة من دائرة «وضع اليد» التي قررها الغرب عليها الى دائرة «الشهود» والمنافسة والتكافؤ التي تليق باجراء «الحوار» والتفاهيم ، وتدفع الى تغيير الصور والاحكام والمواقف
اريد تفاعلكم معي في الموضوع