يوم عاشوراء .. حينما يصبح الاحتفال به مخالفا للمقصود منه
من المعلوم أن أعيادنا نحن المسلمين، محصورة في عيدي الفطر والأضحى، كما جاء في سنن أبي داود والنسائي ـ وغيرهما ـ من حديث أَنَسٍ قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ «مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ ». قَالُوا كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا في الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ». لكن ثمة مناسبات فاضلة شريفة، ولها دلالاتها وخصوصيتها التاريخية والمعنوية، التي يحسن استثمارها وتوظيفها، لترسيخ المعاني والقيم الدينية والأخلاقية المستمدة منها، عملا بقوله تعالى :{.. وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ..}.
من تلك المناسبات الكريمة، الاحتفال بيوم عاشوراء، لما وقع فيه من حدث كبير عظيم، ففي صحيح مسلم ـ وغيره ـ عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسئلوا عن ذلك؟ فقالوا: هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون، فنحن نصومه تعظيما له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نحن أولى بموسى منكم فأمر بصومه".
فعاشوراء ـ كما وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم وغيره ـ "يوم من أيام الله.."، فهو يوم مشهود، وفيه وقعت أحداث هامة ومؤثرة، سجلها القرآن الكريم، في معرض حديثه عن قصة موسى عليه السلام وفصول صراعه، ومشاهد مجابهته للطاغية الأكبر فرعون مصر، يقول تعالى:{وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ}[البقرة:50]. وقد بين كيفية فرق البحر بهم في قوله تعالى: { فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ* وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ* وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ*ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ* إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ}[الشعراء:63­-67].
حقا إن ما جرى في ذلك اليوم هو آية، لكل معتبر ومتعظ، ولكن حال كثير من الناس مع آيات الله كما وصفهم سبحانه بقوله: {وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ}[يوسف:105]، فما وقع لموسى هو من السنة الخارقة، حينما تتدخل خارقة لمألوفات البشر الواقعة وفق السنن الجارية، وحينها فان الإيمان ينتقل من التصديق الغيبي إلى المشاهدة العينية، مما يقوي الإيمان ويزيده ثقة ويقينا وتصديقا.
فما ينبغي تذكره في ذلك اليوم، هو استحضار ذلك المشهد الكبير، الذي فرق الله به البحر، حينما ضربه موسى بعصاه، فصار البحر لموسى ومن معه طريقا يبسا كما قال تعالى:{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى} حينها دخله موسى ومن معه من المؤمنين، يمشون عليه بكل طمأنينة وثقة، دون أن يصابوا بأذى، فلما انتهوا وخرجوا منه، كان مصير فرعون وقومه، الإهلاك بأن أغرقهم الله فيه، وكانت الآية الأخرى أنه سبحانه أنجى فرعون ببدنه كما قال تعالى: { َالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}.
تلك بعض معاني يوم عاشوراء وعبره، فالمشروع في ذلك اليوم، هو صيامه كما ثبت وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، شكرا لله تعالى، لأنه يوم فرح وعبادة، وليس من المشروع فيه ما يقام من مآتم يمارس فيها الندب ولطم الوجوه، والنياحة، وضرب الأجساد والرؤوس بالخناجر والسلاسل إلى حد الإدماء والجروح، كما هو مشاهد وواقع عند طوائف من المسلمين، فلماذا لا يلتزم المسلمون في احتفالاتهم بمناسباتهم الدينية بالمشروع دون تجاوزه إلى أعمال وممارسات لا تليق بمعاشر المسلمين، وهي تعطي للآخرين انطباعات سيئة عن الإسلام وأهله؟.
ولماذا تحرص طوائف من المسلمين على إقامة مراسم ضرب الأنفس وإيذائها في هذا اليوم، على ذنب لم تقترفه؟ ومتى تقوى طوائف من المسلمين على مفارقة إرث الماضي، لتتحرر من كل صور وألوان الحقد والحشد الطائفي الذي يُذهب قوة المسلمين، ويثير في صفوفهم ثقافة الكراهية، ويرسخ الطائفية بأبشع وأقسى صورها؟. إن ما وقع في حادثة كربلاء الذي صادف وقوعها العاشر من محرم عام 61هجرية، من فاجعة مقتل الحسين بن علي رضي الله عنه، لهو من المآسي المحزنة المفجعة، وإنه لأمر يحزن كل مسلم، ويثير فيه مشاعر الحزن والأسى، ويؤجج فيه نار السخط والغضب على أولئك القتلة المجرمين، الذين لم يرعوا حق الحسين الشريف، ونسبته الطاهرة لجده الأعظم صلى الله عليه وسلم.
لكن مع كل مشاعر الحزن تلك، ومع كل الأسى الذي يجتاح النفوس، ويستبد بها في ذكرى استشهاد الحسين بن علي ومن معه من آل البيت الأطهار، لا ينبغي أن تُتخذ تلك المناسبة، موسما لممارسة تلك الطقوس والمراسم التي دأب الشيعة على ممارستها، لأنها ليست من المشروع فعله، بل هي من المنكرات والمبتدعات، ولئن كان الشيعة في تلك المناسبة يكفرون عن خطيئة أجدادهم بخذلانهم للحسين وعدم نصرته، فان الحق يقتضي أن توجه أصابع الاتهام إلى قتلة الحسين المجرمين، ومن عاونهم وشاركهم على تنفيذ جريمتهم الشنعاء، ممن خذلوه من شيعته، بعد انفضاضهم من حوله، وإسلامه لمصيره الذي نال فيه كرامة الشهادة والشهداء.